خزينة الكرة

تعافي كرة القدم من كورونا “مكلف جداً”

فيروس كورونا ضرب العالم وتفشى وأوقف كرة القدم بالشلل التام. لا مباريات، لا تمرينات، لا معسكرات، لا جولات في ملاعب الأندية ولا متاحفها، معظم متاجر الأندية حول العالم أعلنت عن إغلاقها احترازياً. والقنوات التلفزيونية الرياضية في حيرة.

أثر فيروس كورونا الجديد (كوفيد-19) بدأ على كرة القدم في الصين، حين اضطر عدد من اللاعبين الأوروبيين واللاتينيين للانتقال من أنديتهم الصينية في فترة الانتقالات الشتوية بعد توقف الدوري هناك، قبل أن تضطر عدد من الدوريات الأوروبية للعب بعض مبارياتها خلف الأبواب المغلقة بدون جماهير بعد أن بدأ الفيروس بالوصول إلى أوروبا. وبحلول منتصف مارس 2020 كانت جل المسابقات الكروية في أوروبا قد قامت بإيقاف وتعليق منافساتها بسبب تفشى الوباء في القارة والعالم.

في هذا التقرير سنحاول في “خزينة الكرة” رصد أبرز التحليلات المالية للآثار الاقتصادية المتوقعة على عالم كرة القدم في حال إلغاء الموسم أو تأجيله، وكم يمكن أن يكلفها ذلك، استناداً على معلومات وتوقعات من مصادر مختلفة.

كي بي إم جي: 4 مليار يورو خسائر الدوريات الكبرى

التقرير الأشمل كان من قبل شركة KPMG للاستشارات المالية، والتي قالت أن الإجراءات الحالية بتأجيل إقامة المباريات ستكسب الجهات المنظمة والاتحادات مزيداً من الوقت للوصول إلى الحلول الأقل ضرراً في الظروف الحالية. ثم لخصت حالة كل من الدوريات الخمس الكبرى ودوري أبطال أوروبا والدوري الأوروبي من ناحية الحالة (تعليق، تأجيل جولات) وعدد المباريات المتأثرة بهذا الإجراء، وأخيراً عدد المباريات المتبقية من الدوري لهذا الموسم.

كيف سيتم حسم بطولات الموسم الجاري؟ ومتى؟ هل سيتم استكمال الموسم؟ أم اعتماد الترتيب الحالي؟ كيف سيتم تحديد الأبطال والهابطين والمتأهلين للبطولات القارية؟ إجابة هذه الأسئلة سيكون لها تأثير كبير على جوانب مالية عديدة، فاستكمال البطولات هذا الموسم يعني أنها ستمتد إلى ما بعد 30 يونيو، وهو التاريخ الذي تنتهي به عقود العديد من اللاعبين وتمديد عقودهم لأسابيع أو أشهر قد يبدو مسألة تشوبها الكثير من التحديات لجميع الأطراف. هذا القرار سيؤدي كذلك، إلى إلغاء جولات الأندية في الصيف وهو القرار المتوقع وبشكل كبير أنه اتخذ من جميع الأندية لا سيما مع قيود السفر المفروضة عالمياً.

أما تحديد أبطال الموسم والهابطين في كل دوري والمتأهلين للمسابقات القارية فيترتب عليها تبعات مالية هامة من عائدات التذاكر وتوزيعات النقل التلفزيوني حسب ترتيب الفريق، والجوائز المالية الخاصة بدوري الأبطال واليوروباليغ وغيرها. إلى جانب تأثر عقود الرعاية بموقع الفريق وتواجده في المنافسات.

كي بي إم جي قامت بدراسة -السيناريو الأسوأ- بإلغاء الموسم وعدم استكمال المنافسات في الدوريات الأوروبية الـ5 الكبرى في حال وقوعه، وأثره المتوقع في أسوأ الحالات على مصادر الدخل الرئيسية (يوم المباراة – النقل التلفزيوني – الأنشطة التجارية) وتوقعت أن تصل الخسائر المالية إلى 4 مليار يورو، حيث ستتراوح خسائر البريميرليغ ما بين 1.15 إلى 1.25 مليار يورو، معظمها من خسائر عقود النقل التلفزيوني (700-800 مليون يورو)، فيما جاءت الليغا الإسبانية كثاني أكثر الدوريات تأثراً بحوالي 800-950 مليون يورو، متجاوزة البوندسليغا (650-750 مليون يورو) وهي القريبة من خسائر السيريا آ الإيطالية التي يتوقع أن تفقد أنديتها ما بين 550-650 مليون يورو، فيما جاء الدوري الفرنسي ليغ1 خامساً بخسارة يتوقع أن تتراوح بين 300-400 مليون يورو.

وقال التقرير أن الخسارة الأسرع أثراً هي عائدات يوم المباراة (مبيعات التذاكر)، وكلما زادت قوة النادي مالياً كلما قلّ تأثره بفقدان العائدات من هذا المصدر، حتى ولو كانت ملاعب الأندية الكبرى أكبر سعة وأعلى حضوراً ودخلاً. الأندية ستدخل بكل تأكيد في مسائل قانونية تقرر من خلالها هل ستعوض حاملي التذاكر الموسمية عن قيمة المباريات التي لم تلعب أو التي لعبت بلا جمهور؟ مع العلم أن عدد محدود من الأندية الكبرى قد يكون لديها تأمين لتغطية فقدان إيرادات يوم المباراة.

أما إيرادات النقل التلفزيوني، وهي الأكبر حجماً بقياسات الخسائر، فتختلف من بلد لآخر، ففي الدوري الإنجليزي على سبيل المثال، تنال الأندية جزء من توزيعات عوائد النقل بنهاية كل موسم حسب عدد مبارياتها التي يتم بثها داخل إنجلترا. الدوريات الأوروبية الكبرى لديها عدة عقود محلية ودولية مع شبكات وقنوات ناقلة وشركات مسوقة وموزعة للحقوق، كيف سيكون وضع تلك العقود في حال اتخذ قرار “عدم استكمال الموسم!”؟ ذلك يعتمد بالنسبة لكل دوري على قيمة تلك العقود وعدد المباريات المتبقية من الموسم. وإذا تتبعنا السلسلة، هل ستقوم القنوات حول العالم بتعويض مشتركيها عن الدوري غير المستكمل؟

جانب آخر مهم بخصوص حقوق النقل، وهو أن عدد من الأندية توجه جزء من إيرادات النقل التلفزيوني كونه المصدر الرئيسي للدخل بشكل مباشر إلى البنوك أو لشركات أنشأتها لسداد تمويلات اقترضوها في أوقات سابقة بضمان تدفقات إيرادات البث. وتأمين تلك المبالغ من مصادر أخرى سيهز بكل تأكيد التدفقات النقدية للأندية.

وعند الحديث عن إيرادات الأنشطة التجارية وعقود الرعاية، تجدر الإشارة إلى أن العقود في الغالب تشمل مبالغ ثابتة تحصل عليها الأندية إضافة إلى متغيرات مرتبطة بنتائج الفريق الرياضية وإنجازاته، وهنا سيكون الغموض في تحديد ما إذا كان النادي يستحق أو لا يستحق الحصول على هذه المبالغ والحوافز.

ما ذكر أعلاه هي الإيرادات التي يتوقع أن تفقدها الأندية نتيجة التوقف أو إلغاء الدوري، ولكن ماذا عن المصاريف التي تتكبدها الأندية؟ والتي يأتي على رأسها رواتب اللاعبين، فهل ستستمر الأندية بدفع الرواتب للاعبين لا يلعبون؟ تعليق المنافسات لأسابيع قد يكون بمثابة فترات التوقف، ولكن ماذا لو طالت الفترة لأكثر من ذلك؟ وهل ستتمكن الأندية من دفع رواتب باقي الموظفين خصوصاً أولئك الذين لن يمارسوا أي من أعمالهم في الفترة المقبلة والتي قد تمتد لأشهر.

ودون الدخول في باقي التفاصيل، فقد طرح تقرير كي بي إم جي عدة تساؤلات تتعلق بسوق الانتقالات وكيفية تأثره، هل سيتم تقليل فترته؟ هل ستستغل الأندية الغنية الأوضاع للتوقيع مع نجوم الأندية التي تأثرت بالتراجع المالي؟ كما لم يستبعد التقرير فرضية تدخل الحكومات كتدخلها في قطاعات اقتصادية أخرى لتخفيف آثار تلك الإجراءات. كما لم يستبعد وقفة الأندية الكبرى لدعم الأندية الأصغر وحماية المنظومة.

آس: خسائر الليغا 678.8 مليون يورو

صحيفة آس نشرت تقريراً عن الخسائر التي يتوقع أن يتكبدها الدوري الإسباني بدرجتيه الأولى والثانية، والتي قد تصل إلى 678.8 مليون يورو، والتي ستكون من حقوق البث (549 مليون يورو) واشتراكات التذاكر الموسمية (88 مليون يورو) ومبيعات تذاكر المباريات (41.4 مليون يورو).

البوندسليغا: 750 مليون يورو على المحك

في ألمانيا، قال كريستيان شايفرت الرئيس التنفيذي لرابطة الدوري الألماني أنه من المرجح أن تقام مباريات البوندسليغا دون جمهور من أجل استكمال الموسم، وهو ما يشكل “فرصة البقاء الوحيدة” لبعض الأندية، حيث تبدو عشرات الآلاف من الوظائف على المحك. وأضاف “بالتالي أطلب تفهمكم ودعمكم لضرورة التفكير في الأمر. فليس هناك شك في أن احتواء انتشار الفيروس هو أمر بالغ الأهمية”، موضحا أن خسائر إلغاء الموسم قد تصل إلى 750 مليون يورو لدوري الدرجتين الأولى والثانية. وأن عوائد النقل بمفردها ستضرب ميزانيات الأندية بنحو 370 مليون يورو في حال عدم استكمال الدوري.

يورو 2020: القرار اتخذ والتكلفة 300 مليون يورو

الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (يويفا) قرر بالفعل تأجيل بطولة كأس أمم أوروبا (يورو 2020) إلى العام المقبل بسبب انتشار وباء فيروس كورونا، وبحسب ESPN فإن اليويفا قال أن تأجيل البطولة سيكلف 300 مليون يورو، فيما كان الغائها سيكلف نحو 400 مليون يورو. ولكن التأجيل سيضمن تحقيق عوائد إقامة البطولة، والتي يتوقع أن تكون بحدود الـ 2.1 مليار يورو، فيما كان سيكون اتخاذ قرار الإلغاء بمثابة إعلان عدم تحقيق إيرادات وتحمل تكلفة 400 مليون إضافية.

التكلفة التي سيتحملها اليويفا بسبب التأجيل لن تصيبه وحده، فهي بالضرورة متعلقة بالاتحادات والأندية التي يشرف عليها الاتحاد الأوروبي، حيث أنه يقوم بتوزيع هذه الأموال على شكل جوائز مالية وحوافز لهم، ما يعني أن الأثر سينعكس بنهاية المطاف على مداخيل الأندية الأوروبية.

الأحداث تتوالى وتجيب على الأسئلة

تتسارع الأحداث والمبادرات بخصوص كورونا وآثاره على كرة القدم الأوروبية. فقد تم خلال اليومين الماضيين الإعلان عن أكثر من أمر أجابوا عن بعض الأسئلة المطروحة في السطور السابقة، ففي إنجلترا أعلنت رابطة دوري كرة القدم الإنجليزية “EFL” والمسؤولة عن الدرجة الثانية والثالثة والرابعة عن تقديم مساعدة بقيمة 50 مليون جنيه إسترليني، لمساعدة الأندية المتعثرة مالياً بسبب الإجراءات المتعلقة بفيروس كورونا.

فيما كشفت صحيفة ديلي ميل البريطانية أن أندية البريميرليغ مستعدة للنزاع القانوني بشأن مطالبة القنوات الناقلة ومن ضمنها سكاي وبي تي سبورت بفرض غرامة قيمتها 750 مليون جنيه إسترليني إذا لم يتم الإيفاء والالتزام باستكمال الدوري هذا الموسم، وهو ما يساوي خسارة بمعدل 37.5 مليون جنيه إسترليني على كل نادي من أندية البريميرليج. الأندية بحسب ديلي ميل على يقين بأن الشركات الناقلة لن تمضي قدماً بهذا الإجراء وستصل لتسوية ودية في حال حدوث هذا الأمر وذلك حفاظاً على العلاقة القوية معها والعقود المستمرة والتي تسري حتى 2022.

أما الأندية الكبرى فبدأت بإطلاق مبادرات تضامنية، فمانشستر يونايتد مثلاً قام بالإعلان عن أنه سيقوم بدفع أجور العاملين المتعاقدين والمؤقتين المتعلقين بالعمل أيام المباريات وغيرها وذلك حتى نهاية الموسم سواء تم استكماله بدون جمهور أو تقرر إيقافه.

فيما أعلن لاعبو فريق بوروسيا مونشنجلادباخ الألماني عن تنازلهم عن جزء من رواتبهم في مبادرة ستوفر نحو مليون يورو شهرياً وستساعد أيضا على دفع رواتب موظفي النادي والحفاظ على وظائفهم. وبالحديث عن بوروسيا مونشنجلادباخ، فنشير إلى أن رئيس النادي كان قد ذكر في وقت سابق أن ناديه لديه تأمين يغطي المباريات الملغاة، ولكن لا يغطي إقامته بدون جماهير، مشدداً على أن قرار كهذا سيكلف النادي 2 مليون يورو عن كل مباراة. وهو ما يمكن قياسه على باقي أندية الدوري الألماني.

وفي إيطاليا، لم يستبعد رئيس الاتحاد الإيطالي غابرييلي غرافينا تخفيض أجور اللاعبين إثر توقف المسابقات بسبب تفشي وباء فيروس كورونا، حيث قال لمحطة 24 الإذاعية في حديث نقلته رويترز: “لا يمكن أن يكون الحديث عن تخفيض رواتب اللاعبين من المحظورات، يجب أن ندرك أن حالة الطوارئ تسري على الجميع، ويجب على عالمنا (كرة القدم) أن يمتلك القدرة على التغيير، تم دعوتنا لاتخاذ قرارات تحمل مسؤولية كبيرة”.

خلاف ذلك، قامت عدة أندية بتقديم دعم وتبرعات لمجتمعها المحلي والمجتمع الدولي لمكافحة انتشار الجائحة، والتي وبكل تأكيد ستشكل نقطة تحول في تاريخ كرة القدم، وطرق صياغة عقود الشراكات التجارية وعقود اللاعبين، وفي التعامل مع الأزمات، كما ستفعل ذلك في باقي القطاعات والصناعات بلا استثناء.

أخيراً، ندعو الله أن يحمينا وإياكم من شر هذا الوباء، وأن يخلصنا منه عاجلاً غير آجل.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*