خزينة الكرة

تاريخ رعاية الدوري السعودي، وكيف أصبح من بين الأغلى عالمياً

رغم أن هناك رأي سائد محلياً مقتنع أن الكرة السعودية ضعيفة تسويقياً إلا أن هذا الكلام ليس صحيحاً بالمجمل. فكما تحدثنا سابقاً عن تاريخ تطور حقوق النقل التلفزيوني للمسابقات السعودية، والتي أظهرت تطوراً خلال السنوات وصولاً إلى عقد مجموعة MBC والتلفزيون السعودي، فسنتحدث اليوم عن جانب آخر هو رعاية مسابقة الدوري المحلي.

تاريخ رعاية الدوري السعودي

بعد سنوات من تطبيق نظام المربع الذهبي وإطلاق مسمى “كأس دوري خادم الحرمين الشريفين” على بطولة الدوري في المملكة، تمت العودة للنظام التقليدي النقطي في موسم 2007-2008 وإطلاق مسمى “الدوري السعودي الممتاز” عليه.

ومع انطلاق الموسم التالي 2008-2009 صدر قرار صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن فهد بن عبدالعزيز الرئيس العام لرعاية الشباب رئيس الاتحاد السعودي لكرة القدم بإنشاء هيئة مستقلة لدوري المحترفين السعودي، ومعها تغير مسمى الدوري إلى “دوري المحترفين السعودي”.

وتمكنت هيئة المحترفين آنذاك من تسويق دوري المحترفين في ثاني مواسمه، وبيع حقوق رعايته لشركة “زين” لمدة خمس سنوات مقابل 300 مليون ريـال (60 مليون ريـال سنوياً)، ليتغير مسمى الدوري إلى “دوري زين السعودي للمحترفين”، على أن يستمر هذا الاسم لمدة 5 سنوات تبدأ موسم 2009-2010 وتنتهي في 2013-2014.

في مطلع 2012 أعلن الرئيس العام لرعاية الشباب رئيس الاتحاد السعودي لكرة القدم الأمير نواف بن فيصل بن فهد بن عبدالعزيز عن تغيير مسمى هيئة دوري المحترفين السعودي إلى رابطة الأندية المحترفة. وفي نهاية ذات العام أعلنت الرابطة عن توقيعها عقداً مع شركة “عبد اللطيف جميل” لرعاية دوري المحترفين السعودي لمدة ستة أعوام ابتداء من الموسم التالي 2013-2014، وذلك بعد أن قررت شركة “زين” الراعية للدوري في ذلك الوقت عدم الاستمرار في الرعاية، وبذلك انتهت رعايتها قبل الوقت المتفق عليه بموسم واحد.

منذ موسم 2013-2014 تحول مسمى دوري المحترفين السعودي إلى “دوري عبداللطيف جميل السعودي للمحترفين” في عقد ضخم بلغت قيمته من الراعي الرئيسي 100 مليون ريـال سنوياً تستمر حتى موسم 2018-2019.

SPL-SPONSORSHIP-HISTORY2008-2019

مزايا رعاية الدوري للشركات الراعية

رعاية البطولات تعتبر فرصة تسويقية للشركات لنشر علامتها والارتباط بمنتج يصل لشريحة عريضة وعلى مدار فترة طويلة. وتختلف مزايا الشركة الراعية ما بين دوري وآخر وذلك من خلال نسبة ظهور إعلاناتها في لوحات الملعب، إضافة إلى بعض المساحات الإضافية مثل الشعار على أكتاف اللاعبين، الاستحواذ على اللوحة الإعلانية الرئيسية المتمركزة في منتصف الملعب، الظهور في التلفزيون مع كل لقطة إعادة بطيئة، السماح بترويج منتجاتها داخل الملعب. فالهدف الرئيسي للشركة الراعية هو الاستفادة من ارتباطها بالدوري لنشر علامتها ومنتجاتها وفعالياتها.

ورعاية شركة عبداللطيف جميل تحظى بالفعل على العديد من هذه المزايا، بحيث تحصل على نسبة من إعلانات اللوحات الإلكترونية في المباريات. كما نجحت الشركة في ابتكار “سيارة الحكم” والتي صممت على شكل سيارة إف جي كروزر، والتي تقوم بتوصيل الكرة مطلع كل مباراة في خطوة تسويقية ذكية جداً من الشركة. وشهد عدد من مباريات الدوري عقد فعاليات قبل المباراة تساعد على نشر العلامة التجارية لعبداللطيف جميل بشكل كبير، كما نجحت شركة عبداللطيف جميل في تفعيل الجانب الاجتماعي عبر برنامج “البائع الرياضي” أحد برامج “باب رزق جميل”.

ALJSponsorshipActivities

aljleagueceremony

وكما يلاحظ أي متابع لدوري عبداللطيف جميل السعودي للمحترفين، تتواجد سيارة من طراز “تويوتا” التابعة للشركة في أطراف الملعب، إضافة لإعلان مسطح بجانب المرمى. وهذه الحقوق الإعلانية تختلف كما ذكرنا سابقاً من دوري لآخر، فالدوري الأسباني مثلاً كان يخصص اللوحة الإعلانية في منتصف الملعب لشعار الدوري والشركة الراعية للدوري “ليغا BBVA”، إلا أنه هذا الموسم قام بتحويل حقوقها للأندية كما يظهر في الصورة أدناه.

SponsorMainBoard

كذلك، يظهر في الدوري الإنجليزي شعار “باركليز بيريميرليغ” على الكتفين، والدوري الإيطالي يضع شعار الدوري والشركة الراعية للدوري على كتف واحد فقط، فيما يضع الدوري الأسباني شعار الدوري دون الإشارة للشركة الراعية. بينما في الدوري السعودي يقتصر شعار “دوري عبداللطيف جميل” على الكتف الأيسر فقط.

SponsorsTshirtPatch

وتنتشر في أرجاء الملعب عدة عناصر قد يستفيد الراعي الرسمي للدوري في وضع شعاراته عليها، من بينها اللوحة أو الساعة الإلكترونية التي يحملها الحكم الرابع، والتي تتركز الأنظار عليها وتتجه إليها عدسات الكاميرات 8 مرات في كل مباراة (مع كل تبديل، وعند إعلان الوقت بدل الضائع من كل شوط).

في الدوري السعودي تحمل لوحة الحكم الرابع شعار دوري عبداللطيف جميل ومصممة على شكل سيارة تويوتا. أما الدوري الإنجليزي فتحمل الساعة شعار دوري باركليز. الدوريين الألماني والإيطالي يتواجد في اللوحة الإلكترونية للحكم الرابع شعار الشركة الراعية فقط دون اسم الدوري. أما الدوري الإسباني فإن النادي له أحقية الإستفادة من لوحة التبديلات، لذلك تشاهدون في الصورة أدناه أن ريـال مدريد يستخدم شعار الراعي الرئيسي للنادي، فيما تحمل في ملعب برشلونة شعار الساعة الرسمية للنادي.

Substition Board - Sponsors

ولا تقتصر العوائد التي تجنيها الشركة على المساحات التسويقية خلال المباريات، بل أن الشركة الراعية تستفيد من هذه الشراكة بإقامة فعاليات على مختلف المستويات باستخدام اسم وشعار الدوري الذي تمتلك حقوقه والأندية كذلك، مما يضفي بعداً أكبر لفعاليتها.

TitleSponsorshipEVENTS

ومع انتعاش الحراك التسويقي في الأندية السعودية في السنوات الأخيرة، قد يظهر بعض التضارب في ملكية بعض الحقوق التسويقية أو الإعلانية في الملاعب والمباريات، وهذا طبيعي نظراً لحداثة التجربة. والأكيد أنها ستحل كما حلت مشاكل ظهرت سابقاً حين كانت شركة موبايلي ترعى الهلال وشركة الاتصالات السعودية ترعى النصر والاتحاد والأهلي والشباب وغيرهم، وأعلن حينها عن رعاية شركة زين للدوري وامتلاكها للوحات إعلانية في الملاعب وظهور شعارها على الأطقم، مما أثار استياء الشركات الراعية قبل أن يتم الوصول إلى اتفاق بين الأطراف والرابطة.

قيمة عقود رعاية الدوري حول العالم

يردد بعض المسؤولين في رابطة دوري المحترفين وفي شركة عبداللطيف جميل أن قيمة رعاية الدوري السعودي تعتبر من أكبر عقود رعاية الدوريات في العالم، فهل هذا صحيح؟

بحثنا في عدة مصادر حول قيمة عقود الرعاية لمجموعة مختارة من الدوريات الأوروبية الكبرى. مع الأخذ بالاعتبار أن الأرقام لا يفصح عنها دائماً بشكل رسمي، ولكن التسريبات الصحفية تكون في الغالب قريبة من الصحة. الدوري الإنجليزي الممتاز يرعاه بنك باركليز، وهي الرعاية الأغلى في العالم وقدرها 50 مليون يورو سنوياً، إلا أن الشركة تردد أنها لا ترغب في تجديد الرعاية.

رعاية الدوري الأسباني مملوكة منذ سنوات لبنك BBVA وكانت الرعاية قد بدأت منذ عام 2008 وتم تجديدها قبل بداية الموسم الماضي 2013-2014 لمدة 3 مواسم مقابل 23.5 مليون يورو سنوياً تشمل رعاية دوري الدرجة الأولى باسم Liga BBVA ودوري الدرجة الثانية باسم Liga Adelante وهو شعار يستخدمه البنك في حملاته الإعلانية.

المفاجأة هي أن الدوري التركي يأتي ثالثاً على الصعيد الأوروبي حيث وقعت شركة سبورتوتو للرهانات في 2010 عقداً لرعاية الدوري التركي لخمس سنوات مقابل 100 مليون يورو (20 مليون يورو سنوياً). ويأتي بعد ذلك الدوري الإيطالي بشراكته التاريخية مع شركة “تيم” للاتصالات، حيث يعتبر هذا الموسم هو السابع عشر الذي ترعى فيه الشركة بطولة الدوري، علماً أن التجديد بات يجدد بشكل سنوي ولمدة موسم واحد فقط. العقد الأخير يتوقع أن يكون بحدود الـ15 مليون يورو.

أما الدوري الروسي، فقد أعلن في 2011 توقيعه مع شركة “سوغاز للتأمين” لرعاية بطولة الدوري لمدة 4 سنوات مقابل إجمالي 60 مليون دولار (50 مليون يورو).

ولا يشهد الدوري الألماني ظهوراً قوياً للراعي، والذي قد يكون من الأنسب القول أنه الشريك الرئيسي وهي شركة “هيرميس” للخدمات اللوجستية، والتي وقعت مع رابطة الدوري الألماني عقداً بدأ منذ بداية 2013 ينص على أن تضع شعارها على أكتاف اللاعبين في أندية دوري الدرجة الأولى والثانية وتقدم خدماتها لنقل درع الدوري إلى ملعب الفريق البطل، وذلك مقابل مبلغ يتوقع أن يتراوح بين 7 إلى 8 مليون يورو سنوياً.

الرسم التالي يوضح فوارق قيمة رعاية بطولات الدوري في دول مختلفة علماً أن سعر الصرف الذي احتسبناه مقابل اليورو هو 4.5 ريال سعودي:

Selected Leagues Title Sponsorships

ملاحظة: قيمة عقد رعاية الدوري الإسباني تشمل دوري الدرجة الأولى ودوري الدرجة الثانية من دون تفصيل لقيمة كل دوري، في الرسم أعلاه افترضنا أن 90٪ من قيمة رعاية BBVA للدوري الإسباني تخص دوري الدرجة الأولى، و10٪ تخص الدرجة الثانية، لذلك حل ثالثاً وصعد الدوري السعودي ثانياً نفس الشيء سيحدث في حال أبقينا القيمة الإجمالية وأضفنا قيمة رعاية دوري الدرجة الأولى السعودي (6 مليون ريـال أو 1.3 مليون يورو سنوياً).

هل الدوري السعودي فعلاً يستحق قيمة أعلى من باقي الدوريات؟

وهذا سؤال من الطبيعي أن يتبادر إلى الذهن عند النظر إلى ارتفاع قيمة رعايته مقارنة ببطولات أخرى لها قيمتها عالمياً. وهنا يجب أن ندرك أن عدة عوامل تساهم بتحديد هذه القيمة. وفي حالة الدوري السعودي يأتي في مقدمتها أهداف الشركة التسويقية، ومنها زيادة الوعي بالعلامة التجارية والتواصل مع العملاء (الجماهير)، واللذان وبالإضافة لعوامل أخرى يؤديان لرفع مبيعات الشركة وزيادة دخلها.

ومن الملاحظ أن جل الشركات الراعية لبطولات الدوري هي شركات محلية، لذلك ينبغي أن لا نغفل جانباً هاماً هو حجم متابعة كرة القدم في البلاد، وترتيب أهميتها وشعبيتها مقارنة بأحداث أو فعاليات أخرى يمكن للشركات التوجه إليها ورعايتها، أو بمعنى آخر؛ مدى توفر فعاليات جماهيرية أخرى يمكن للشركات التوجه إليها ورعايتها.

وبدون أن تكون أمامنا دراسة واضحة، إلا أن أقرب بطولة أو فعالية محلية سعودية لكرة القدم من ناحية الاهتمام والإثارة والمتابعة تأتي بعدها بفارق بعيد جداً. بينما نجد أن الخيارات متوفرة للشركات في دول أوروبا سواء برعاية بطولات رياضية أقل حجماً وتحظى بمتابعة واهتمام كبيرين (كرة سلة، طائرة، تنس، ألعاب فردية، زوارق، سيارات، …) أو برعاية فعاليات اجتماعية وفنية وموسيقية وتقنية ضخمة، وهو ما يبدو شبه غائب في ساحتنا المحلية.

فيما يذهب فريق آخر للقول بأن شركة عبداللطيف جميل تقوم بهذا الإنفاق على كرة القدم من منطلق المسؤولية الاجتماعية أو خدمة المجتمع، وهو أحد الجوانب التي تمتاز بها الشركة وكانت أحد رواده بالمملكة.

وقبل أن نختم هذه القراءة، نذكر بجزء من تقرير لشركة ريبوكوم المتخصصة بدراسة السوق والتسويق كنا قد نشرناه سابقاً، ذكرت فيه أن السعودية الرابعة عالمياً بنسبة المهتمين بكرة القدم، وهذا قد يفسر جاذبية هذا السوق للشركات.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*