خزينة الكرة

تاريخ حقوق النقل التلفزيوني للمسابقات السعودية ونظرة للمستقبل مع MBC

حسم أمر النقل التلفزيوني للمسابقات الكروية السعودية بفوز تحالف مجموعة MBC والتلفزيون السعودي بالحقوق لـ10 سنوات مقبلة تمتد إلى نهاية موسم 2023-2024 مقابل ما مجموعه 4 مليار و100 مليون ريـال. هذا المبلغ هو عبارة عن 2.6 مليار ريـال تدفع من MBC مقابل نقل الدوري السعودي للمحترفين، وكأس خادم الحرمين الشريفين، وكأس ولي العهد، وكأس السوبر، وهي التي ستكون محور حديثنا. إضافة إلى مبلغ مليار ريـال للتسويق والإعلان، فيما سيدفع التلفزيون السعودي إجمالي 500 مليون ريـال على 10 سنوات مقابل حقوق نقل دوري ركاء، وكأس الأمير فيصل بن فهد، ودوري الشباب والناشئين.

مسلسل طرح الحقوق ومنحها أخذ أبعاداً واسعة أثارت استغراب البعض، واستاء منها البعض فيما أشاد بها آخرون. وللتعمق أكثر في هذه القضية سنحاول إلقاء نظرة تاريخية ومستقبلية على حقوق نقل المسابقات السعودية الكبرى وتطورها، وكذلك إيجابيات وسلبيات فوز MBC بها للسنوات العشر القادمة.

تاريخ حقوق النقل في المملكة

لا تعتبر المملكة حديثة عهد بطرح حقوق البث التلفزيوني، ولكن رغم ذلك فلم تصل الجهات المعنية حتى الآن إلى صيغة واضحة تتحكم بطرح كراسة حقوقها وتقدم  المنافسين عليها وفوزهم بها.

في تسعينيات القرن الماضي، كان التلفزيون السعودي ممثلاً بقناتيه الرسمية الأولى والثانية هو الناقل الرسمي لمباريات البطولات الكروية السعودية، وبطبيعة الحال فإن محدودية القنوات وعدم التخصص وكثرة إلتزامات التلفزيون الحكومي لم يكن يتيح للقناتين نقل كامل المباريات، فكانت تنقل حوالي من 2 إلى 3 مباريات كبرى من كل جولة، وكان التلفزيون السعودي يدفع مقابل ذلك مبلغ 25 ألف ريـال عن كل مباراة للرئاسة العامة لرعاية الشباب، والتي تقوم بدورها بتقسيم هذه المبالغ على أندية الدوري.

SPLTVRIGHTSKSA

استمر هذا الوضع لسنوات طويلة حتى نهاية التسعينيات ومطلع الألفية الجديدة حين بدأت القنوات الخاصة بنقل بعض المباريات مشاركة مع التلفزيون السعودي. التلفزيون السعودي والجهات المختصة حرصت آنذاك على إبقاء نقل المباريات الرئيسية على التلفزيون الرسمي لأسباب عدة منها معارضة فكرة التشفير، والخوف من أن يفتح ذلك باباً للمطالبة بالسماح للنساء بحضور المباريات وهو ما لا تقره أنظمه البلاد.

أوربت والتجربة الأولى

من هذا المنطلق جاءت فكرة الاستفادة مادياً من بيع حقوق بث المباريات غير المنقولة على التلفزيون السعودي. وكسبتها شبكة أوربت والتي شكلت آنذاك نقلة في أساليب الإخراج والتغطيات المواكبة. شبكة أوربت كسبت حقوق النقل لثلاث مواسم بعد منافسة من راديو وتلفزيون العرب (ART)، دورة حقوق النقل تلك بدأت في 2003-2004 وحتى 2005-2006 وكان العقد ينص على دفع شبكة أوربت لمبلغ 9.9 مليون ريـال سنوياً تدفع لرعاية الشباب. واكب ذلك دفع مبالغ إضافية من أوربت و ART في حال نقل بعض المباريات الهامة مشاركة مع التلفزيون السعودي.

راديو وتلفزيون العرب والقفزة التاريخية

بالتأكيد أن تجربة أوربت كونها كانت التجربة الأولى فإنها قد قدمت للشبكة وللمنافسين والباحثين قاعدة من المعلومات التي تساعد في تقدير العوائد المحتملة من شراء حقوق الدوري السعودي، سواء من خلال الإعلانات أو التشفير. ونقلاً عن حديث سابق لرئيس لجنة التسويق في الاتحاد العربي السعودي لكرة القدم في ذلك الحين الدكتور حافظ المدلج، فإنه بعد نهاية عقد أوربت في 2006 طرحت الحقوق للمنافسة مجدداً وشكلت ART وأوربت تحالفاً للنقل وتقدمتا بعرض مشترك لم ينل رضا المسؤولين حينها، ولم يكن هناك غير هاتين الشبكتين في الساحة. الاتحاد السعودي لكرة القدم رفض العرض وطلب من كل من الشبكتين التقدم بعرض منفصل، فقدمتا عروضاً لم ترتق إلى مستوى طموح الاتحاد السعودي الذي هدد بإلغاء المنافسة وطرحها في مزايدة مفتوحة، وهذا ما تم فعلاً، مما أدى لتقديم عروض جديدة أوصلت عرض شبكة أوربت إلى 90 مليون ريـال سنوياً، فيما قدمت ART عرضها البالغ 100 مليون ريـال سنوياً فكسبت الحقوق لمدة 3 سنوات.

راديو وتلفزيون العرب: تمديد

في مطلع 2009، أعلن الاتحاد السعودي عن تمديد عقد ART لنقل مباريات جميع المسابقات والبطولات المحلية التي ينظمها الاتحاد السعودي ولا ينقلها التلفزيون الرسمي، إلى جانب مشاركة ART في نقل المباريات التي ينقلها التلفزيون السعودي والتي لا تزيد عن 90 مباراة في الموسم الواحد. العقد الجديد شمل إضافة خدمات الاتصالات والإنترنت، وشهد العقد الجديد ارتفاع قيمته إلى 300 مليون ريـال مقسمة على موسمي 2009-2010 و 2010-2011.

في وقت لاحق من 2009 بيعت قنوات راديو وتلفزيون العرب إلى شبكة الجزيرة الرياضية، مع الإبقاء على قنوات الدوري السعودي، والتي ما لبثت أن اختفت لتبقى قناة واحدة من الشبكة في حين تنقل باقي مواجهات الدوري السعودي على قنوات الجزيرة الرياضية لفترة حتى انتهى العقد بنهاية موسم 2010-2011.

الحقبة التي نقل خلالها راديو وتلفزيون العرب المسابقات السعودية شهدت بيع بعض المباريات لقنوات خاصة مثل أبوظبي الرياضية والتي أحدثت ضجة أدت إلى سحب الحقوق منها لتجاوز منسوبيها على الرموز الرياضية السعودية كما وصفها بيان صدر وقتها، إضافة إلى بيع بعض الحقوق للقناة الوليدة آنذاك “لاين سبورت”.

ART-JAZEERA

الدوري للقنوات السعودية الرياضية بأمر ملكي

بعد انتهاء العقد السابق بنهاية موسم 2010-2011، وفي ظل الانتظار واقتراب انطلاق الموسم الكروي، صدر أمر ملكي بمنح القناة السعودية الرياضية حقوق نقل المسابقات الكروية السعودية تلفزيونياً لمدة 3 مواسم مقابل 150 مليون ريـال سنوياً، وهو نفس قيمة العقد السنوي السابق مع ART، تدفعها وزارة المالية للأندية عن طريق وزارة الثقافة والإعلام، وانتهت هذه الدورة بنهاية الموسم المنصرم 2013-2014.

sp3STUDIO

تحالف MBC والتلفزيون السعودي وعقد تاريخي

في نهاية يوليو 2014 أصدر الاتحاد السعودي بياناً قال فيه أنه نظراً لقرب انطلاقة الموسم الرياضي الكروي 2014–2015 ونظراً لتقدم عدة شركات بعروض إلى الاتحاد العربي السعودي لكرة القدم للفوز بحقوق بث مباريات كرة القدم للأندية، وبعد استعراض هذه العروض، فقد تم اختيار أفضلها وهو العرض المقدم من “تحالف التلفزيون السعودي ومجموعة الـ MBC” بعرض قيمته 4.1 مليون ريـال سعودي لمدة عشرة أعوام، مع الكثير من المزايا المادية والفنية الأخرى.

وعند اختصار تلك الفترات في رسم بياني سيكون أمامنا المسار التالي والذي يلخص قيمة عقود نقل البطولات الكروية السعودية الكبرى لأكثر من 20 سنة منذ 2003 وحتى 2024.

SPL TV RIGHTS TREND 2003-2024

حديثنا هنا كما ذكرنا سابقاً سيتركز على المبالغ النقدية التي ستدفعها MBC مقابل حقوق نقل المسابقات السعودية الكبرى، وهي التي تم تفصيلها من قبل الرئاسة العامة لرعاية الشباب كالتالي:

MBC PAYMENT TRENDS

مما سبق نرى أن عقد النقل التلفزيوني سيرتفع في أول مواسم العقد الجديد بنسبة 40٪ عن قيمة العقد السابق، وسيستمر في الإرتفاع في سنواته العشر وصولاً إلى ارتفاع بنسبة 100٪ في مواسمه الأربع الأخيرة. فهل هذا يكفي لنقول أن العقد ناجح؟ أم أن مضاعفة قيمة العقد خلال 10 سنوات تعتبر تطوراً طبيعياً أو ضعيفاً؟

سنحاول هنا مناقشة سلبيات وإيجابيات العقد من زوايا عدة.

السلبيات

  1. السلبية الأولى هي تأخر الإعلان عن ترسية العقد، هذا التأخير ساهم بكل تأكيد في انطلاق الموسم الرياضي دون أن تكون المجموعة جاهزة فنياً وبشرياً، وشوهد هذا في المباريات الأولى ومن خلال غياب البرامج المصاحبة حتى الآن. كان من ضمن المقترحات أن تمدد الحقوق لمدة سنة للقناة الرياضية (الجاهزة) لحين اكتمال تجهيزات MBC.
  2. طول مدة العقد، ففترة عشر سنوات تشهد عادة متغيرات كثيرة طبيعية أو غير طبيعية، فلا يمكن التنبؤ بما يمكن أن يكون عليه شكل الدوري السعودي خلال هذه الفترة وتحديداً من ناحية جاذبيته وحجم متابعته. ومدة مثل هذه لا تطبق في أي من الدوريات الكبرى في العالم، فالدوري الإنجليزي تباع حقوقه في دورة من 3 سنوات، والدوري الإيطالي 3 سنوات قابلة للتجديد لـ3 سنوات أخرى، فيما يرفض النظام في أسبانيا أن يوقع أي من الأندية عقداً لأكثر من 3 سنوات.
  3. يجب أن لا ننسى أن الدوري منذ عقد ART في 2006-2007 والذي كان بـ100 مليون وحتى نهاية 2013-2014 قد ارتفعت حقوق نقله بمبلغ 50 مليون ريـال فقط (50٪ خلال 8 مواسم)، لذا فالبعض قد يرى أن هناك زيادة طبيعية قد أهملت في السنوات الماضية، فكان يجب عدم الاعتماد عليها بشكل مجرد في قياس قيمة العقد المقبل.
  4. رغم أن لقناة MBC تجارب ريادية في النقل التلفزيوني للأحداث الرياضية تاريخياً، إلا أنها تظل مجموعة غير متخصصة رياضياً.
  5. حسب بيان الرئاسة العامة لرعاية الشباب ذكرت نقطة أدرجت في عقد التلفزيون السعودي وهي أن لكل الطرفين الحق بالخروج منه بعد 5 سنوات، هذا البند لم يدرج في عقد الـMBC (حسب البيان)، وهو بند هام لضمان رضا كل من الطرفين عن أداء الطرف الآخر.
  6. عدم حصول الأندية على عوائد في حال بيع MBC لحقوق نقل أي مباريات لأي قنوات أخرى.

الإيجابيات

  1. بكل تأكيد أن مجموعة MBC ستحقق للكرة السعودية الانتشار المأمول نظراً لحجم متابعتها واتساع أذرعها الإعلامية والتسويقية، هذا الانتشار يساعد على جذب المعلنين والرعاة للأندية وللبطولات السعودية، وهذا ما بدأنا بالفعل نرى بوادره في الأيام الماضية.
  2. تجارب MBC الإعلامية في مختلف المجالات العامة والمنوعة والفنية والسياسية والاقتصادية طوال عمرها الممتد منذ مطلع التسعينيات يعطي انطباعاً عن أن الجودة والإتقان ستكون حاضرة في عملها، وهو مبدأ قد يذهب له البعض بقولهم أنه من الأفضل قبول عقد من جهة إعلامية مضمونة الجودة حتى وإن انخفض عرضها بقليل عن بعض المنافسين.
  3. لمجموعة قنوات MBC نجاحات واضحة في التغطيات الرياضية والبرامج الحوارية الرياضية، فبرامجها أكشن يا دوري، وفي المرمى، وصدى الملاعب كلها برامج تحظى بمتابعة ونجاحات كبيرة وتنبئ بقدرتها على إضافة أجواء من الإثارة والمتابعة والتشويق من خلال تغطيتها للكرة السعودية.
  4. ضمان تحقيق الأندية لدخل ثابت وواضح للسنوات المقبلة يسمح لها برسم استراتيجيتها بشكل أكثر وضوحاً.
  5. حصول الأندية على 20٪ من ثمن بيع الملخصات لقنوات اخرى، و 20٪ من دخل تشفير أي مباريات إن تم ذلك مستقبلاً، وضمان عودة حقوق المباريات بعد 24 ساعة من بثها المباشر للاتحاد السعودي لكرة القدم وبالتالي للأندية، مما يمكن الأندية من إطلاق قنواتها الخاصة، وبالتالي منحها الفرصة للحصول على عوائد اضافية، وضمان حق الأندية في الحصول على ملخصات مبارياتها مباشرة على تطبيقات الهواتف المحمولة أو الكمبيوتر كلها عوامل إيجابية تمكن الأندية من الاستفادة مادياً في المستقبل.
  6. جزئية مدة العقد رغم أننا ذكرناها كنقطة سلبية، إلا أن فيها جانباً قد يُنظر له بإيجابية. في شهر يناير الماضي ظهرت أنباء عن دراسة جدوى قدمت لإحدى الشبكات التلفزيونية ونشرتها صحيفة الشرق الأوسط أوضحت أن لا جدوى اقتصادية من شراء حقوق الدوري السعودي بأكثر من 150 مليون ريـال لصعوبة تحقيق أرباح من نقلها وتسويقها. مثل هذه الدراسات وبعيداً عن مدى دقتها تعطي انطباعاً أن استمرار ارتفاع قيمة العقد التلفزيوني ليس مضموناً بالضرورة. فبالنظر لجوانب أخرى في الكرة السعودية، رأينا في السنوات الماضية غياباً لعقود الرعاية في الأندية بعد سنوات من الضخ المالي الكبير. ورأينا عزوفاً جماهيرياً في كثير من الملاعب بعد أن كان الحضور ملفتاً في سنوات مضت. والأمر ذاته ينطبق على المستويات الفنية، فالكرة السعودية في التسعينيات ومطلع الألفية كانت بارزة على الصعيد الإقليمي والقاري والعالمي سواء كأندية أو منتخبات أو لاعبين، وهو الوضع الذي اختلف كثيراً اليوم. لذلك، فالارتباط بعقد طويل وعائد جيد قد يحمي الكرة السعودية من انخفاض مستقبلي في العوائد لو لم يحدث تطور كبير في الجوانب السابقة مجدداً.
  7. فترة الـ10 سنوات، والتي اتفقنا على طول مدتها إلا أن الساحة الرياضية العالمية تعج بأمثلة لعقود تسويقية لفترات طويلة. مانشستر يونايتد أعلن عن توقيعه مع شركة أديداس لـ10 سنوات. نادي ارسنال وقع مع طيران الإمارات لرعاية قميص الفريق لثمان سنوات، مددت فيما بعد لخمس سنوات إضافية، ونفس الشركة (الإمارات) حصلت على حقوق تسمية ملعب النادي في 2004 إلى 2021، ومددت لاحقاً إلى 2028. وحتى في حقوق البث التلفزيوني، ففي شهر مايو الماضي أعلن الدوري الأمريكي لكرة القدم (MLS) عن توقيع عقد لبيع حقوق النقل التلفزيوني لمدة 8 سنوات تمتد إلى 2022 علماً بأن لعبة كرة القدم واعدة في أمريكا، وقد تشهد السنوات القليلة القادمة تزايداً في الاهتمام والإقبال عليها.
    MLSTVDEALS
  8. عودة القنوات الرياضية السعودية للساحة في المنطقة، فمنذ غياب ART أصبحت الحقوق الرياضية للأحداث الكبرى في حوزة قنوات beIN Sports (الجزيرة الرياضية سابقاً)، وأبوظبي الرياضية ودبي الرياضية، وسط غياب للإعلام السعودي وهو ما لا يتوازى مع أهمية المملكة في المنطقة.
  9. قدرة مجموعة MBC على مواكبة متطلبات العصر، بتفعيل قنوات التواصل الاجتماعي لمواكبة الأحداث الرياضية بشكل حي، فشاهدنا خلال الأيام الأولى تغطيتها للمباريات بمختلف أهميتها عبر تويتر وفيسبوك ويوتيوب بشكل حي ومباشر تفاعلي، مما يعطي الكرة السعودية حالة تفاعلية أكثر في الإعلام الجديد.

 

بعد هذا الاستعراض لمسيرة حقوق نقل المسابقات السعودية تلفزيونياً، وبعد محاولة رصد سلبيات وإيجابيات المرحلة المقبلة، يبقى من المهم جداً أن تتضح الآلية التي سيقوم اتحاد كرة القدم ورابطة دوري المحترفين بتوزيع الحقوق على الأندية، ومعرفة النسبة المستقطعة لصالح الاتحاد. فمن عقد الموسم الماضي البالغ 150 مليون ريـال، تم توزيع نصفها فقط على أندية دوري عبداللطيف جميل، فيما تقاسمت أندية دوري ركاء للدرجة الأولى والاتحاد السعودي لكرة القدم والرابطة باقي المبلغ.

والآن نريدك أنت عزيزي القاريء أن تبدي لنا آرائك، سواء من خلال خانة التعليقات بالأسفل، أو من خلال مناقشتنا على حساباتنا في تويتر أو فيسبوك.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*