خزينة الكرة

شيفيلد يونايتد وعبدالله بن مساعد .. القصة التي لم تكتب أجمل فصولها بعد

شيفيلد يونايتد، أحد أعرق أندية إنجلترا، تأسس في عام 1889، واحتفل قبل شهرين بمرور 130 سنة على تأسيسه، واليوم يحتفل النادي بتأهله إلى الدوري الإنجليزي الممتاز لتعود مباريات البريميرليغ إلى ملعبه التاريخي برامال لين للمرة الأولى منذ 2007.

في كل سنة تتأهل أندية وتهبط أخرى في البريميرليغ، ولكننا اليوم نسلط كل الأضواء في “خزينة الكرة” على شيفيلد يونايتد الملقب بـ “السيوف” أو “بليدز” بالإنجليزية، كونه النادي الذي استثمر فيه الأمير السعودي عبدالله بن مساعد قبل سنوات، واليوم يترقب محبو كرة القدم مشاهدة نادي ابن مساعد في الدوري الأهم في العالم.

كيف كانت قصة هذا الاستثمار؟ وأين كان النادي مالياً؟ وكيف أصبح اليوم؟ ماذا تغير؟ وماذا ينتظرهم في الموسم المقبل مع الكبار؟

القصة

الأمير عبدالله بن مساعد، معروف لدى متابعي الرياضة السعودية بكونه عضو شرف نادي الهلال ورئيسه السابق، وعراب الاستثمار فيه نجح بالإشراف على ملف الاستثمار والقفز بإيرادات الهلال التجارية إلى عشرات الملايين. هو أشرف كذلك على ملف الخصخصة في السنوات الماضية، ورأس الهيئة العامة للرياضة في المملكة العربية السعودية كما اشترى حصة في نادي بيرشوت البلجيكي. الأمير عبدالله بن مساعد هو كذلك رجل أعمال له عدة نشاطات تجارية في الرياضة وخارجها، وله كتاب يحكي تجربته الإدارية.

حب الأمير عبدالله لكرة القدم ورغبته لخوض تجربة استثمارية حقيقة دفعه للتوجه لمهد كرة القدم “إنجلترا”، وفي عام 2013 ودون مقدمات في صباح يوم 3 سبتمبر أعلن خبر شراء الأمير عبدالله بن مساعد بن عبدالعزيز آل سعود لـ 50٪ من من أسهم نادي شيفيلد يونايتد الإنجليزي والذي كان يلعب حينها في دوري الدرجة الثانية (ليغ ون) دون الإعلان عن القيمة المالية للصفقة، مع وعود من الأمير بتقديم دعم جوهري في سبيل إعادة الفريق للدوري الإنجليزي الممتاز في أقرب فرصة ممكنة.

ومع مرور الأيام بدأت تتضح لدى الصحافة الإنجليزية بعض معالم كواليس الصفقة، حيث يرجح أن امتلاك عبدالله بن مساعد لنصف أسهم النادي كان مقابل التزام من الأمير باستثمار 10 مليون جنيه إسترليني في النادي. واليوم تعود ملكية نادي شيفيلد يونايتد لكرة القدم (SUFC Ltd) إلى شركة بليدز الترفيهية المحدودة (Blades Leisure Ltd)، وهي بدورها شركة محدودة مملوكة بالتساوي بين شركة يو تي بي ذ.م.م (UTB LLC) والمملوكة بالكامل لصاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن مساعد بن عبدالعزيز آل سعود، وشركة شيفيلد يونايتد العامة (Sheffield United Plc) وهي شركة مساهمة عامة يملك غالبية أسهمها سكوت مكيب وسايمون مكيب.

النادي استمر بعد انضمام عبدالله بن مساعد لملاّكه في الدرجة الثانية حتى موسم 2016-2017، وخلال هذه الفترة نجح الفريق بالوصول لنصف نهائي كأس الاتحاد الإنجليزي، أعرق بطولات الأندية في العالم، في موسم 2013-2014، وكذلك نصف نهائي كأس رابطة الأندية المحترفة موسم 2014-2015. وبعد تأهله للشامبيونشيب (دوري الدرجة الأولى) تمكن النادي من العودة للبريميرليج بعد سنتين قضاها في الدرجة الأولى، لتكتب صفحة جديدة في تاريخ النادي العريق.

كيف كان وضع شيفيلد يونايتد مالياً

في موسم 2012-2013 الذي سبق شراء ابن مساعد لأسهم نادي شيفيلد يونايتد، كانت إيرادات النادي تبلغ 8.3 مليون جنيه إسترليني، 45٪ منها من مبيعات التذاكر وإيرادات يوم المباراة، و41٪ من أنشطة النادي التجارية والتي تشمل عقود الرعاية، ومبيعات المتجر، واشتراكات أكاديمية النادي واستخدام مقره. فيما لم تشكل إيرادات النقل التلفزيوني للفريق القابع في دوري الدرجة الثانية أكثر من 14٪ أو تحديداً 1.2 مليون جنيه إسترليني فقط.

في الموسم التالي، أول مواسم عبدالله بن مساعد مع الفريق، تضاعفت إيرادات التذاكر، وزادت عوائد البث التلفزيوني وانخفضت الإيرادات التجارية، وارتفع إجمالي إيرادات النادي إلى 10.7 مليون جنيه. وفي السنوات التالية، استمرت إيرادات الملعب بالارتفاع، لا سيما مع وصول الفريق لنصف نهائي كأس الرابطة وارتفاع أسعار التذاكر، كما ارتفعت إيرادات النقل التلفزيوني تدريجياً، قبل أن تشهد قفزة من 1.6 مليون إلى 8.1 مليون جنيه في أول مواسم الفريق في الشامبيونشيب (دوري الدرجة الأولى) في سنة 2017-2018. أما مداخيل الأنشطة التجارية، فارتفعت مجدداً إلى مستواها السابق لتصل إلى 3.2 مليون جنيه، وهو مستوى لا يزال متواضعاً ودون التطلعات.

وبطبيعة الحال، صعود أي فريق إلى درجة أعلى يترتب عليه زيادة واضحة بالمصاريف، وخصوصاً الرواتب وإهلاك عقود اللاعبين، وهو ما حدث في حالة شيفيلد يونايتد بعد تأهله للدرجة الأولى، حيث ارتفعت مصروفاته 65٪ من 16.6 مليون في 16-17 إلى 27.5 مليون جنيه في 17-18، ومن المؤكد أن هذا الرقم سيتضاعف أضعافاً مضاعفة مع تأهل الـ “سيوف” إلى البريميرليغ.

ورغم ذلك، إلا أن إدارة النادي تمكنت من إدارة شؤون الفريق بكفاءة، ما ساهم بتقليص صافي خسائر النادي بعد خصم الضرائب من 9 مليون جنيه في 15-16 إلى 5.7 مليون في 16-17 وأخيراً إلى 1.9 مليون جنيه إسترليني في سنة 17-18.

أما في الجانب الآخر من التقارير المالية لنادي شيفيلد يونايتد، نلحظ وبوضوح انخفاض إجمالي الديون بشكل متواصل منذ 2013 وحتى الآن، حيث انخفضت من 40.5 مليون جنيه إسترليني في نهاية السنة المالية 2012-2013 ووصلت إلى 2.1 مليون جنيه فقط بنهاية فترة تقرير مالي لسنة 2017-2018.

كيف سينعكس التأهل مالياً على شيفيلد يونايتد

لنجعل الصورة مبسطة، هناك 3 مصادر دخل رئيسية للأندية (التذاكر والملعب، الأنشطة التجارية، والنقل التلفزيوني)، كل هذه المصادر ستشهد ارتفاعاً مع صعود الفريق للبريميرليج، ولكن الارتفاع سيكون متفاوتاً.

فعلى مستوى إيرادات يوم المباراة (الملعب والتذاكر)، يتسع ملعب برامال لين لـ 32,700 مشجع، ويتمتع النادي بمعدل حضور بحدود 27 ألف مشجع للمباراة الواحدة، وسبق للنادي بيع عدد من التذاكر الموسمية قبل ضمان التأهل رسمياً، لذا فالزيادة المتوقعة في إيرادات التذاكر ستكون محدودة، وبحسب تقديراتنا فإن إيرادات يوم المباراة ستصل لحدود 12-15 مليون جنيه إسترليني مقارنة بنحو 9 مليون حالياً.

أما الأنشطة التجارية، فرغم أن أداء النادي فيها لا يعتبر جيداً بما فيه الكفاية، إلا أن جاذبية البريميرليغ لا مثيل لها للشركات حول العالم، ولا أدل على ذلك من وجود 17 شركة أجنبية من أصل 20 شركة راعية لأندية الدوري الإنجليزي هذا الموسم، وهذا بكل تأكيد يعني بأن هناك رعاة جدد سينضمون لرعاة النادي. وكمؤشر، فإن أقل قيمة لرعاية قميص أحد أندية البريميرليغ هذا الموسم كان 1.5 مليون جنيه سنوياً، وهو رقم لا يبدو أنه سينخفض. وإذا ما أخذنا بالاعتبار الراعي الرياضي في حال تحسين أو تغيير عقد أديداس، وكذلك رعاة كم القميص بالإضافة للرعاة والمعلنين الآخرين سواء كانوا من الشركات المحلية في شيفيلد أو الأجنبية فإن إيرادات الأنشطة التجارية سترتفع إلى نحو 5 مليون جنيه على أقل تقدير.

آخر وأهم الإيرادات هي حقوق النقل التلفزيوني، ولا أغلى ولا أعدل ولا أغرى من البريميرليغ في هذا الجانب. فبمجرد تأهل شيفيلد يونايتد إلى البريميرليغ سيضمن تحقيق إيرادات لا تقل عن 160 مليون جنيه إسترليني. ويمكن لهذا الرقم أن يرتفع إلى 280 مليون جنيه استرليني في حال استمر النادي موسماً آخراً في مصاف الأندية الممتازة. وهذا الرقم يأتي من خلال النظر إلى عوائد نقل ورعاية البريميرليغ والتي تضمن حسب آلية توزيعها حصول متذيل الترتيب في الموسم المقبل على 95 مليون جنيه على أقل تقدير. وفي حال تذيل الفريق المتأهل للترتيب بالفعل وهبوطه مجدداً للدرجة الأولى، فإنه سيحصل ولمدة موسمين على ما يسمى (parachute payments)  وهي دفعات مساعدة للفرق الهابطة تقدم لها ليتسنى لها الخروج تدريجياً من مظلة العقود والمصاريف الباهظة الناتجة عن تواجدها السابق في البريميرليغ، وهي تبلغ 75 مليون جنيه على الأقل تدفع مقسمة على موسمين، ما يصل بالمجموع إلى 170 مليون جنيه إسترليني مضمونة في أسوأ الأحوال في حال التأهل.

هذه الإيرادات التلفزيونية المغرية ستقفز بعوائد النقل التلفزيوني في الموسم المقبل إلى 95 مليون جنيه على أقل تقدير، وهو ما سيجعل إجمالي إيرادات نادي شيفيلد يونايتد في أول مواسمه في الدوري الإنجليزي الممتاز (البريميرليغ) بحسب تقديراتنا تتجاوز 110 مليون جنيه إسترليني.

العقبات

أبرز العقبات التي ستواجه نادي شيفيلد هي في تأمين سيولة المصاريف التي سيتكبدها النادي لتكوين فريق خلال الصيف يستطيع مجابهة كبار البريميرليغ، وفي حال لم توفق إدارة النادي في تحقيق النجاح المنشود، فإن الخروج من مأزق الالتزام بالعقود الضخمة سيكون صعباً بعد حين. العقبة الأخرى هي في الخلاف الموجود بين الأمير عبدالله بن مساعد ورئيس النادي كيفن مكيب، حيث ظهر بوادر الاختلاف في 2017 حول آلية الإنفاق على النادي ثم تطورت لدعوى قضائية رفعها مكيب على الأمير عبدالله في بريطانيا، وحاول حينها الأمير شراء باقي أسهم النادي بسعر منخفض أثار استياء شركائه. النزاع لا زال منظوراً، وقد يكون التأهل سبباً في حله أو في تضخيمه.

أخيراً، قصة نادي اشتراه مالك سعودي في الدرجة الثانية في إنجلترا إلى مصاف الدرجة الممتازة خلال 5 سنوات هي قصة أشبه بالحلم تدعونا للفخر وبالأمل لنقل شيء أو أشياء من هذه التجربة إلى رياضتنا المحلية. وبالنهاية، نترككم مع رسالة الأمير عبدالله بن مساعد التي وجهها باللغة العربية لكل محبين النادي ومحبيه.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*